خاطرة بقلم : خالد رابيع
"قصة مستوحاة من الخيال لكنها لا تبدو بعيدة عن الواقع و قد
تبدو لقارئها أقرب للواقع من الخيال"
بدأت
أحداثها من مكتب البريد . دخل مسرعا و أنيقا كأنه المسؤول الأكبر هناك يتكلم بصوت
عال و ثقة كبيرة في النفس . و بسرعة البديهة عرفت السبب الذي أتى به إلى مكتب البريد
.كان ممن تم استدعائهم لاجتياز الاختبار الشفوي لشغر وظيفة بالجماعات المحلية أتى
ليأخد الظرف الذي بداخله الاستدعاء ،كان السبب الذي أتى بي أنا أيضا هوأخد ذلك
الظرف الذي علقت عليه آمال العائلة و الأصدقاء . لكن سرعان ما تبخر الحلم عندما
سمعت الرجل الأنيق يحدث صديقه و يقول بثقة كبيرة و زائدة عن المألوف : "فليسألوا
في أي موضوع شاِئوا " و صار يسرد لصاحبه المواضيع التي أطلع عليها، تحدث عن
الدستور ، التنمية البشرية ، الميثاق الجماعي، الهجرة ، الصحة ... إلخ حتى ضننت
أنه صحفي مل مهنة الصحافة. قلت في نفسيي حينها هذا هو الموظف الذي تبحث عنه الدولة
. ما عساهم يفعلون بواحد مثلي . و الله لم تكن لي أدني فكرة عن المواضيع التي
سردها هذا الأنيق لصاحبه. توظف هذا الرجل
ذو الثقة الكبيرة في النفس و عدت أجر ذيول الخيبة بلا و وظيفة. هكذا دارت الأفكار
في مخيلتي و خرجت من مكتب البريد شاحب اللون بعد ما تشاجرت مع موظف البريد لأنني
فقدت الوظيفة كما بذا لي .
شائت
الأقدار و بمعجزة إلاهية نجح كلانا في الاختبار الشفوي و التحقنا بنفس الجماعة و
العجيب في الأمر أننا سكنا نفس البيت بعدما عرض علي الرجل الغريب أن أكون رفيقه في
السكن طلب و إن كانت فيه بعض المغامرة فقد كنت أبدو في نظره ذلك الفتى الغامض الذي
يمكن أن تتوقع منه كل شيئ لكن سرعان ما تبخر الخوف و أصبحت من أحب أصدقائه إن لم
أكن أحب أبنائه.
الرجل
صاحب الصوت العالي والسريع، الدائم الابتسامة كما رأيته في مكتب البريد.أصبح صاحب
الوجه الحزين الدائم المرض، نزل عليه عمله الجديد الذي لم يتقبله كالصاعقة.أصبح
يسب ويشتم ودائم السخط على الواقع . حال زادته الغيرة الشديدة من زوجته الوفية
التي لم يفارقها بعلها مند سنين من الزواج .خافت عليه المسكينة كيف لا تخاف وهو
الرجل الوسيم الأنيق ، والذي أصبح موظفا وقد يصبح محط أطماع النساء وخاصة في
أولادعياد. تأقلم الرجل الوسيم مع الجو الجديد للعمل وأصبح أكثر حيوية ونشاط وأصبح
ينطـــق بجمل بين الحين والأخر يضحك بها زملائه في العمل والسكن حتى أصبح يرددها
الجميع من أجل ما قال "إش عليك يا محمد يوسف" أصبحنا أكثر انسجاما وتفاهما لم نتشاجر مع
بعضنا البثة يشتد النقاش أحيانا تختلف الأفكار والآراء لكن سرعان ما تهدا الأمور
وتعود إلى نصابها .
الرجل
الأنيق البشوش بدأت تظهر فيه سمات المكر والخداع لكن بمعناهما الإيجابي، يسعى من
خلالهما خلق جو من النشاط يحاول كل مرة ابتكار طرقة ليغضبني ويلعب على أعصابي خاصة
عندما يلاحظ أني ارغب في النوم أو أكون بمزاج سيئ وبصراحة غالبا ما أسقط في شراكه
ويتمكن من استفزازي وإغضابي لكن كل شيء يصبح جميلا عندما يعتذر مني .
مرت
الأيام والشهور تغيرت الوضعية الوظيفية للرجل ذو الابتسامة العريضة والشارب الطويل،
فأصبح من كبار المناضلين ضد الحيف والظلم وسط كم هائل من الموظفين الجبناء الذين
لم يحركوا ساكنا في الدفاع عن حقوقهم المهضومة.
الرجل
الأنيق صاحب البدلات الحريرية والمشية الموزونة لم يسجل عليه أن تهاون في مساهمة
إنسانية أو زيارة صديق مريض أو عمل نقابي وكيف ما كان ذلك ، دائما داخل الجماعة
ولو كلف ذلك حياته لم يكن احد يعلم أن هذا الموظف الجديد الأنيق يكتب القصائد
ويتفنن في كتابتها حتى تسرب الخبر إلى الشارع والى العمل وشاع بين الأصحاب وأصبح
الجميع يعرفه ويلقبه بالشاعر البلغيتي .
من
كان يدري أن ذلك الرجل الغريب الواثق من نفسه الذي رأيته أول مرة في مكتب البريد
يصبح أحب أصدقائه ، دامت المحبة في الله أخي وأدام الله عليك نعمة الصحة والعافية
أيها الرجل الأنيق أطال الله عمرك وعمر والديك وكل من أحببت يا صاحب الشارب الطويل
أنبت الله الشبلين المهذبين نباتا حسنا ورزقت برهما يا ذا الابتسامة .سأظل شاكرا
طيلة حياتي لمكتب البريد الذي كان سبب لقائي مع الرجل الصديق الوفي الشاعر كما
يحلو لنا مناداته.إنه بلا افتخار: " محمد يوسف ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق